وقال تعالى: {وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا} [الكهف: 25].
ثانياً: ثبوت الكرامة لمريم عليها السلام:
الكرامة الأولى: أن نبي الله زكريا عليه السلام يدخل عليها في محرابها فيجد عندها رزقاً دون أن يأتي به إنسان ودون سبب مادي.
قال
الله تعالى: {وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا
زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ(4) وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ
أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ
يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}[آل عمران: 37].
الكرامة
الثانية: وهي حملها بعيسى عليه السلام دون أن يمسها بشر حيث جاءها روح
القدس جبريل عليه السلام بأمر من الله بصورة رجل عادي، وأخبرها بأن الله
أرسله ليهب لها غلاماً زكياً طاهراً يكون له شأن عجيب ويعطيه الله النبوة
والحكمة، فاطمأنت على نفسها بعد اضطرابها منه، ثم نفخ في جيب(5) قميصها(6)
نفخة وصلت إلى رحمها، فحملت بتلك النفخة(7) بالمسيح عليه السلام، وكانت
هذه القصة من العلامات الخارقة التي لم يسبق لها مثيل.
قال الله
تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذْ انتَبَذَتْ(Cool مِنْ
أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا(9)* فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ
حِجَابًا(10) فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا(11) فَتَمَثَّلَ لَهَا
بَشَرًا سَوِيًّا(12)* قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَانِ مِنْكَ إِنْ
كُنتَ تَقِيًّا * قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لأَهَبَ لَكِ
غُلامًا زَكِيًّا * قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي
بَشَرٌ وَلَمْ أَكُنْ بَغِيًّا * قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ
عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً(13) لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا
وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا(14) } [مريم: 16 - 21].
وقال تعالى: {وَمَرْيَمَ
ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ
رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنْ
الْقَانِتِينَ} [التحريم: 12].
الكرامة
الثالثة: لما حملت به عليها السلام ابتعدت عن منازل أهلها، فلما جاءها
مخاض الولادة جلست إلى جذع نخلة غير مثمرة، فهزتها فتساقط من الشجرة رطباً
طرياً صالحاً للاجتناء والأكل. ولذلك أشار القرآن الكريم إلى ذلك:
{فَحَمَلَتْهُ
فَانتَبَذَتْ بِهِ(2) مَكَانًا قَصِيًّا(3) * فَأَجَاءَهَا(4) الْمَخَاضُ
إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا
وَكُنتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا(5)* فَنَادَاهَا(6) مِنْ تَحْتِهَا أَلا
تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا(7)* وَهُزِّي إِلَيْكِ
بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا(Cool} [مريم: 22
- 25].
الكرامة
الرابعة: لما وضعت ابنها عيسى ابن مريم وأتت به إلى قومها وأخبرتهم أنه
ابنها، كان الأمر صعباً عليهم تصديق هذه الخارقة فاتهموها اتهامات وجرحوها
بكلماتهم وهي صامتة لا تتكلم وألحوا في استجوابها عن سبب حملها الذي لم
يتصور كثير منهم فيه إلا الفاحشة، وهي منها براء، فلما ضاق حالها وانحصر
المجال، واحتارت في أمرها، عظم توكلها على الله ذي الجلال والإكرام، ولم
يبق إلا الإخلاص والاتكال فأشارت إلى طفلها عيسى ابن مريم حتى يخاطبوه
ويكلموه، فعندها استغربوا الأمر، وقالوا كيف نكلم من كان في المهد صبياً،
وهو لا يميز بالأمور فظنوا أنها تستهزيء بهم وتتهكمهم، عندها تكلم ونطق
وقال: إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبياً.
قال الله تعالى:
{فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ
شَيْئًا فَرِيًّا(9)* يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ
سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا(10) * فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ
قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا * قَالَ
إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِي الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا *
وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ
وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَتِي(1) وَلَمْ
يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا(2)* وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ
وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا} [مريم: 27 -33].
ثالثاً: ثبوت كرامة صاحب سليمان عليه السلام:
وهي
أحبُّ الناس إلي، وتركت الذهب الذي أعطيتها، اللهم إن كنتُ فعلت ذلك
ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة غير أنهم لا يستطيعون
الخروج منها.
وقال الثالث: اللهم استأجرت أجراء وأعطيتهُم أجرهم غير
رجل واحد ترك الذي له وذهب، فثمَّرت(1) أجرهُ حتى كثرت منه الأموال فجاءني
بعد حين، فقال: يا عبد الله أدِّ إليَّ أجري، فقلت: كل ما ترى من أجرك من
الإبل والبقر والغنم والرقيق، فقال: يا عبد الله لا تستهزئ بي! فقلت: لا
أستهزئ بك، فأخذه كله فاستاقه فلم يترك منه شيئاً، اللهم إن كنت فعلت ذلك
ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون". متفق
عليه.
ثانياً: قصة تكلم صبي رضيع من بني إسرائيل تبرئة لامرأة أَمَةٍ اتهمت بالسرقة والزنى، ولم تفعل ذلك وهذا كرامة لها.
قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كانت امرأة ترضع ابنها من بني اسرائيل،
فمرَّ بها رجل راكب ذو شارة(2)، فقالت: اللهم اجعل ابني مثله، فترك ثديها،
وأقبل على الراكب، وقال: اللهم لا تجعلني مثله، ثم أقبل على ثديها يمصه -
قال أبو هريرة: كأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يمصُّ أصبعه - ثم
مر بأمة فقالت: اللهم لا تجعل ابني مثل هذه فترك ثديها، فقال: اللهم
اجعلني مثلها، فقالت له: لم ذاك ؟ فقال: الراكب جبار من الجبابرة وهذه
الأَمَةُ يقولون لها: سرقت، زنيت، ولم تفعل". متفق عليه.
ثالثاً: قصة العابد جريج:
قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كان في بني إسرائيل رجل يقال له جريج كان
يصلي، فجاءته أمه فدعته، فقال: أجيبها أو أصلي؟ فقالت: اللهم لا تمته حتى
تريه وجوه المومسات، وكان جريج في صومعته، فتعرضت له امرأة فكلمته فأبى،
فأتت راعياً فأمكنته من نفسها، فولدت غلاماً، فقالت: من جريج، فأتوه
فكسروا صومعته، وأنزلوه وسُّبوه، وتوضأ وصلى ثم أتى الغلام، فقال: من أبوك
يا غلام، فقال: الراعي، فقالوا: أنبني لك صومعتك من ذهب؟ فقال: لا، إلا من
طين". متفق عليه.